التخطي إلى المحتوى

تلقي التطورات المتتابعة التي تشهدها تشاد بظلالها على الوضع في ليبيا، لجهة التداخل الواسع بين البلدين والتأثير المتبادل للأحداث الواقعة فيهما على بعضهما البعض، لا سيما في ظل حالة عدم الاستقرار التي تضربهما، والوضع الأمني الرخو في ليبيا منذ 2011 الذي جعل الجنوب الليبي نقطة تهديد واسعة النطاق للمنطقة المحيطة بأكملها.



وتشهد تشاد تطورات مُتسارعة، تفاقمت حدتها مع الإعلان، الثلاثاء، عن مقتل رئيس البلاد إدريس ديبي “متأثراً بإصابته خلال معارك كان يشارك فيها على الجبهة”، طبقاً لبيان الجيش، وذلك غداة فوزه بعهدة رئاسية سادسة بعد حصوله على 79.32 بالمئة من أصوات الناخبين.



وعقب مقتل ديبي، أعلن الجيش التشادي عن سلسلة من الإجراءات، تضمنت إغلاق الحدود البرية للبلاد، كما أعلن عن اعتزامه إجراء انتخابات رئاسية “شفافة”، إضافة إلى تشكيل مجلس عسكري انتقالي بقيادة نجل الزعيم التشادي الراحل لإدارة شؤون البلاد حتى إجراء الانتخابات.



تضع تلك التطورات المشهد الليبي أمام نُذر تداعيات سلبية وخيمة، يشرحها محللون ومختصون في تصريحات متفرقة لموقع “سكاي نيوز عربية”، بالإشارة إلى الارتباط الواسع بين البلدين، وتأثير الوضع في ليبيا على الأزمة في تشاد في الفترات الأخيرة، وكذلك تأثير التطورات التي تشهدها تشاد على ليبيا بشكل مباشر.

تأثير متبادل

يقول الكاتب والمحلل السياسي الليبي حسين مفتاح، إن “تلك الأحداث الجارية منذ فترة والتي تفاقمت الآن بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي لها تأثير مباشر على الوضع في ليبيا”، موضحاً في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية، أنه في العموم “هناك تأثير متبادل بين ما يحدث في ليبيا وما حدث في تشاد”، وذلك لارتباط القوام الرئيسي لتلك العناصر الموجودة في تشاد بالوضع في ليبيا (لجهة التدريب والتمويل).



ويرى مفتاح أن “تأثير الوضع في ليبيا يتجاوز التأثيرات العادية كبؤرة للتوتر، أو نقل المقاتلين، أو معبر أو ممر للهجرة؛ ذلك أن التأثير أصبح يمثل قلقاً كبيراً لكامل المنطقة، علاوةً على ما سيحدث في منطقة شمال تشاد، رغم إعلان الجيش السيطرة على العاصمة والعديد من المواقع التي كان يستحوذ عليها المقاتلون.. لكن وجود هؤلاء المقاتلين، حتى على هيئة فلول، ما لم يسيطروا على الأراضي الجديدة بالكامل، فإن وجودهم في مناطق الشمال التشادي المتاخمة لليبيا سيكون نقطة تأثير على ما يحدث في ليبيا بشكل كبير”.



هذا ما إذا نظرنا إلى جانب آخر مرتبط بما يدور في شمال النيجر أيضاً، ذلك أن هناك تحركات لعناصر تنظيم داعش، وهناك اختراقات كذلك من تنظيم بوكوحرام في جنوب الصحراء أو جنوب الساحل الأفريقي، طبقاً لمفتاح الذي يردف قائلاً: “أعتقد بأن مثل هذه الأحداث ستحدث تغييراً سلبياً بكل تأكيد على ما يدور في ليبيا وعلى الاستقرار في ليبيا”.



ويعتقد بأن ذلك “قد يشجع مجموعات أخرى في ليبيا، على اعتبار أن القوام الرئيسي لهذه المجموعات قد تسلحت في ليبيا وتحصل على الأموال في ليبيا”.



والأمر في تقدير الكاتب والمحلل السياسي الليبي “يستدعي من كامل دول المنطقة (دول شمال أفريقيا ودول الساحل جنوب الصحراء) أن يوحدوا الجهود في مواجهة مثل هذه المجموعات، وعليهم أن يتعاملوا مع ما حدث بشكل حازم وحاسم”.



انعكاسات خطيرة

وبدوره، يشير السياسي الليبي أحمد الصويعي، إلى أن “مقتل الرئيس ديبي له انعكاسات خطيرة على الأمن في ليبيا، خاصة جنوب البلاد حيث تنشط حركات المعارضة التشادية المسلحة”، موضحاً أن ديبي “كان حليفاً أمنياً استراتيجياً”، و ذلك عاد بالإيجابية على أمن البلدين طوال السنوات الماضية.



ويوضح في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه “بكل تأكيد ما حصل في تشاد قد يخلف فراغاً أمنياً قد تصل ارتداداته إلى أبعد من ليبيا، وفي هذا التوقيت أرى أنه من الضروري عدم رضوخ طرابلس للتغييرات الجيوسياسية المحتمل حدوثها في تشاد، وأن يقوم المجلس الرئاسي بدور الوسيط الإقليمي الفاعل لفتح مفاوضات بين النظام في إنجمينا ومعارضيه لتهدئة الأوضاع وتجنيب المنطقة مخاطر الأزمة التشادية الراهنة، وتكثيف جهود ليبيا من أجل العمل على  إصلاحات طويلة الأجل في تشاد، والقبول  بالمساهمات الإقليمية أو الدولية من أجل استقرار البلد لكي لا تصبح بؤرة صراع  تأثر سلباً على ليبيا ودول الجوار”.



ويقول إن “الدولة الليبية تملك الإمكانيات والمقومات الجغرافية والتاريخية لإقناع المتنازعين بالجلوس إلى طاولة الحوار.. وهذا الدور يقع على عاتق وزارة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية؛ لإحراز تقدم على المديين القريب والمتوسط لتحقيق الاستقرار والسلام الدائم في تشاد، من خلال تفعيل اللجنة الليبية للمساعي الحميدة؛ لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في هذا البلد”.



ويشدد الصويعي على ضرورة عدم انخراط ليبيا سياسياً في الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحقيق الاستقرار في تشاد، حتى تستطيع جني ثمار الوساطة وصون أمنها  الإقليمي والمساعدة في منع نشوب حرب مباشرة بين طرفي الصراع في تشاد وما قد تحمله من عواقب إقليمية وخيمة؛ لأن الساحة التشادية معروفة تاريخياً في حال الاقتتال الداخلي أو غيره تفتح شهية ونهم المستعمر  القديم.



تداخل

ويشرح الباحث المتخصص في الشأن الليبى على طرفاية، أبعاد التداخل في التأثيرات المتبادلة بين ليبيا وتشاد، بقوله: “هناك تداخل في الحدود بين ليبيا وتشاد، وهذا ما ظهر حتى خلال الحرب التشادية الليبية في فترة الثمانينات، والتي أثرت بشكل أو بآخر على التكوين الديمغرافي بالنسبة لسكان الجنوب الليبي، وشهدت الحدود التشادية الليبية موجات نزوح كبيرة”.



وفيما يشير إلى أن حالة الانفلات التي تشهدها ليبيا منذ 2011 استغلتها المعارضة التشادية، نتيجة أن هناك علاقات ديموغرافية يقودها سكان الجنوب، يلفت الباحث إلى أن “ليبيا تعتبر قاعدة خلفية للصراع داخل تشاد، وتتخذ المعارضة في تشاد من الجنوب الليبي نقطة انطلاق للقيام بعمليات داخل العمق، مستغلة الحالة الرخوة الأمنية في ليبيا، تماماً كما تعتمد عليها المجموعات الإرهابية التي تستغلها الجماعات التشادية المدعومة من المعارضة السياسية أو حتى من أطراف خارجية”.



كما يلفت في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية، إلى أن تلك المجموعات في تشاد تستغل أبواب ليبيا المشرعة وغياب المؤسسات الأمنية وعدم المقدرة على تأمين كل حدود الدولة الليبية نتيجة الصراعات والخلافات المعروفة من قبل (..) ومن هنا تحول الجنوب الليبي إلى مرتكز مهم تتخذه تلك المجموعات المعارضة التشادية.



ويستطرد طرفاية: “هناك علاقة تداخل كبيرة بين البلدين وكل ما يحدث في ليبيا يؤثر على تشاد، وكل ما يحدث في تشاد له انعكاساته بشكل أو بآخر على ليبيا (..) لكن غياب الدولة في ليبيا جعل من الجنوب الليبي نقطة للعديد من التوترات، بداية من تجارة البشر وتجارة المخدرات وحتى الإرهاب والهجرة غير الشرعية..   (..)”.

الجنوب الليبي

وبموازاة ذلك، يحذر رئيس المؤتمر الوطني الليبي الجامع، محمد العباني، في تصريحات خاص لموقع “سكاي نيوز عربية” من “تداعيات خطيرة على الجنوب الليبي” جراء اشتعال الأوضاع في تشاد على ذلك النحو.



ويقول العباني: “بالتأكيد ستكون هناك تداعيات، على أساس أن الطرف المهزوم بعد المواجهات المسلحة سيسعى إلى الهروب إلى الأراضي الليبية وجعلها نقطة انطلاق له، ما يزيد من شدة الفوضى في الجنوب، فضلاً عن عمليات التهريب”. يعيد ذلك -وفق العباني- أحداث العام 1987، لكن بصورة أشد خطورة، بالنظر إلى حالة الفوضى الموجودة الآن، في ظل ما تشهده ليبيا منذ العام 2011.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *